• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الخيال أكثر أهمية من المعرفة

د. إبراهيم بن حمد

الخيال أكثر أهمية من المعرفة
◄هذا العنوان الجميل والمثير ليس من بنات أفكاري: إنّه مقولة مشهورة للعالِم ألبرت أنشتاين صاحب النظرية النسبية. وحسب رأي أنشتاين الخيال يأتي أوّلاً وهو الذي يقود إلى المعرفة، بدون الخيال لم نكن لنصل إلى الكثير من العلوم والمعارف التي وصلنا إليها. هذا الخيال يأتي، على سبيل المثال على شكل فرضيات، أو نظريات، تتم دراستها والبرهنة عليها باستعمال طرق البحث المعروفة. أو يأتي عن طريق أفكار، وتطلعات وتصورات نضعها أمامنا، ونبحث عن شتى الطرق التي توصلنا إلى تحقيقها.

وقد أشار العالم ابن القيِّم (رحمه الله) في واحدة من تأملاته العميقة، وما أكثرها، إلى أهمية الفكرة أو ما سمّاها بـ"الخطرة" جمعها خواطر. وذكر أنّ الخطرة "الإيجابية أو السلبية" لها آثار عظيمة على حياة الإنسان وهي مؤشر على مدى صلاحه أو فساده وأنّ الخطرات "الخيال" هي أصل الخير والشر في عالم الإنسان.

وفي دوراتي المتخصصة وخاصة "التخطيط الاستراتيجي" أجد نفسي أتحدث بحماس عن أهمية الخيال. فكلّ شيء يسبق العمل هو في حقيقة الأمر خيال، سواءً كان مكتوباً على ورق أو مخزوناً في الأذهان. وندرس في التخطيط الاستراتيجي التركيز على دائرتين: الدائرة الأولى، ما يجب أن يكون أو ما نرغب في تحقيقه خلال فترة الخطة. إنّها الصور المثالية التي نتطلع إليها ونسعى من أجلها. والدائرة الثانية وضعك الحالي والأرضية التي تقف عليها، ثم بعد تحديد الدائرتين نشرع في اختيار البرامج والمشاريع والآليات التي تأخذنا من الدائرة الثانية "الواقع" إلى الدائرة الأولى "الخيال".

والواقع أنّ المنظمات الرائدة خططها الاستراتيجية مجموعة من الأفكار الخيالية.. وكلما ازداد الخيال كلما كان الاحتمال بالوصول إلى نتائج عظيمة أكثر. ألم تكن فكرة الاتحاد الأوروبي مثلاً فكرة خيالية؟ جمع شتات الدول الأوروبية وتوحيدها في إطار سياسي موحد وعملة موحدة وسوق اقتصادية مشتركة ودستور موحد وجيش موحد على اختلاف الأديان "بالرغم أنّها غالباً أديان مسيحية" واختلاف اللغات "مختلفة تماماً" واختلاف القوميات.. إلخ.

هكذا رؤية مايكروسوفت التي وضعها مؤسسها بيل غيتس "جهاز حاسوب في كلّ بيت" ألم تكن رؤية خيالية.

إنّ من الأمور المدهشة حقاً في عالم الاجتماع والسياسة والأعمال والاقتصاد أنّ الحلول المبدعة والفتوح العظيمة جاءت من منطقة الخيال، التي تحوّل العمل الدؤوب إلى واقع يعاش، لذلك ليس غريباً على الإطلاق أنّ كلّ الأعمال العظيمة للإنسان كانت يوماً من الأيام شيء من الخيال: بناء الحضارات، وبناء الدول، وبناء المشروعات، والمعالم، والعجائب والمخترعات الرائعة.

إنّ كلّ واحد منا يستطيع أن يحلم، ويضع الأفكار الخيالية التي يريد. والنجاح والتميز في الحياة يحتاج أن نمد مجال خيالنا ونتطلع إلى البعيد. والحصول على نتائج عظيمة مرتبطة بنفس الخيال والتفكير. وربما قيل عن كثير من العظماء أنّ أفكارهم كانت خيالية في زمانهم، ولكنهم كافحوا، وضحوا، وعملوا من أجل حقيق هذه الأفكار في واقع الحياة.

إنّ الخيال أكثر أهمية من المعرفة، لذلك لا تخف من الخيال وسّع مجال تفكيرك، فكّر بطرق مختلفة، تخيّل الحلول المناسبة للمشاكل التي تمر بك. تخيل مستقبلك واكتب خيالك في ورقة.. تخيل حياتك بعد عشر سنوات، مع طول العمر إن شاء الله: ماذا ستفعل؟ أين ستعيش؟ وكيف ستعيش؟ وما طموحاتك وآمالك؟ عندما تحدد هذه الدائرة دائرة تصوراتك المستقبلية، قم بتدريب آخر لا يقل أهمية عنه، وهو تحديد دائرة وضعك الراهن، وما هي ظروفك الحالية، وما هي العقبات والحدود ومجالات الحركة ثم بناء على دائرة الخيال ثم دائرة الواقع ضع ما يمكنك من برامج وطرق وآليات توصلك إلى دائرة الخيال أو قريباً منها.

إنّنا قد لا نصل إلى الخيال الذي نفكر به أو نتصوره، ولكن فكرة وجود هذا الخيال في أذهاننا تلهب الحماس، وتحفز التفكير، وتجعل طموحاتنا عالية وخططنا طويلة المدى. كما أنّها تعودنا على الصبر والمثابرة. إنّ تحقيق التوازن بين الواقع والخيال هو سر عظيم من أسرار النجاح في عالم الإنسان.

ولكن حذار أن يفسد عليك الفرق الكبير بين الخيال والواقع الاستمتاع بحياتك أو يقودك إلى إجهاد نفسك، والحياة بمشاعر الإحباط والحسرة على أمور لم تستطع أن تحققها. لا تقلق على الفرص التي ضاعت فلن تستطيع أن تردها، ولكنك تستطيع أن تستغل الفرص الجديدة وما أكثرها. لا تتحسر على صفقة خسرتها فلن ترد الحسرة ما ذهب من مال وجهد ووقت، ولكن فكر بالصفقات القادمة.

وأخيراً أختم بحكمة جديرة بالتأمل والتفكير، يقول أحد الحكماء: من العجيب أنّ الشخص الذي يصر على الأفضل يستطيع أن يصل إليه في أغلب الأحوال.►

 

المصدر: كتاب دروس ثمينة في تحقيق التميُّز والنجاح في الحياة

ارسال التعليق

Top